اعتراف تدريجي.. دراسة تسلط الضوء على التقدم في تنفيذ إعلان حقوق الشعوب الأصلية
اعتراف تدريجي.. دراسة تسلط الضوء على التقدم في تنفيذ إعلان حقوق الشعوب الأصلية
أعدت آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، دراسة حول الدساتير والقوانين والتشريعات والسياسات والقرارات القضائية وغيرها من الآليات التي اتخذت الدول عن طريقها تدابير لتحقيق غايات إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، قدمتها إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ57 التي انطلقت يوم 9 سبتمبر الماضي وتتواصل حتى 9 أكتوبر الجاري.
وبحسب الدراسة التي اطلع "جسور بوست" على نسخة منها، يشكل الاعتراف القانوني والإجراءات القضائية أحد الشروط المسبقة المحتملة لتفعيل حقوق الشعوب الأصلية بموجب الإعلان على الصعيدين الوطني والمحلي.
وفي عام 2006، أشار المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعوب الأصلية إلى أن العمليات التشريعية والإصلاحات الدستورية التي أخذ بها في كثير من البلدان في ما بين عامي 1994 و2004، على سبيل الاعتراف بالشعوب الأصلية وحقوقها، لم تؤدِ بالضرورة إلى تغييرات فعلية في الحياة اليومية للشعوب الأصلية، ففي الواقع، استمرت فجوة التنفيذ قائمة بين التشريعات والواقع اليومي.
حقوق الشعوب الأصلية
وأشارت الدراسة إلى أنه على الصعيد الوطني توجد أمثلة على الاعتراف التدريجي بحقوق الشعوب الأصلية على الصعيدين التشريعي والقضائي معا، ما يفتح المجال أمام تنفيذها بصورة فعالة.
ووجدت الدراسة أنه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، أثر إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية في صياغة الدساتير والقوانين على الصعيدين الوطني ودون الوطني كما أسهم في التطوير التدريجي للقوانين والسياسات الدولية والمحلية في ما يتعلق بالشعوب الأصلية.
وانعكست المبادئ التي يرتكز عليها الإعلان في دساتير إكوادور وكينيا ودولة بوليفيا المتعددة القوميات التي صيغت في السنوات 2008 و2009 و2010 على التوالي.
ويعترف دستور إكوادور في المادة 11 منه بأن حقوق الإنسان المنصوص عليها في الصكوك الدولية، بما في ذلك ليس المعاهدات فحسب بل الإعلان أيضا، واجبة التطبيق والإنفاذ بشكل مباشر.
وجرى في عام 2023، في النرويج، تعديل الجزء المخصص للشعب الصامي من الدستور للإشارة صراحة إلى الصاميين على أنهم شعب من الشعوب الأصلية.
إعمال حقوق الإنسان
وتتفق المادة 69 من دستور الاتحاد الروسي 1993 مع أحكام الإعلان المتعلقة بإعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمساواة مع الآخرين، وحقوق المواطنة، وقد عزز الإصلاح الدستوري لعام 2020 إضافة حكم بشأن حماية الهوية الثقافية لجميع الشعوب وضمان الحفاظ على تنوعها العرقي والثقافي واللغوي.
أما المادة الثانية من دستور مكسيكو سيتي، وهو أحد أكثر الدساتير المحلية تقدما في الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية، فتعرف الكيان الاتحادي بأنه إقليم متعدد الثقافات، ذو تركيبة متعددة اللغات والأعراق والثقافات ترتكز على شعوبه وأحيائه من الأهالي الأصليين ومجتمعاته المقيمة فيه من الشعوب الأصلية.
وتعترف المادة 57 منه بالحقوق الجماعية والفردية للشعوب الأصلية وأفرادها وتضمن هذه الحقوق وتحميها، وتشير إلى أن الامتثال للإعلان وغيره من الصكوك القانونية الدولية التي تكون المكسيك طرفا فيها هو أمر وجوبي في مكسيكو سيتي.
وينص الدستور الاتحادي للمكسيك في المادة الثانية منه على أن للأمة تركيبة متعددة الثقافات. بيد أن الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية على الصعيد المحلي متفاوت.
وفي كندا، تؤكد التشريعات التنفيذية الوطنية صراحة أن الإعلان صك دولي عالمي لحقوق الإنسان يطبق في القانون الكندي، وهذا، عند قراءته في ضوء سوابق القانون العام، يوفر توضيحا للمحاكم الكندية بأن الإعلان ينبغي أن يستخدم في تفسير القانون المحلي.
وعلى الرغم من الاعتراف باللغة الأمازيغية على أنها لغة رسمية في الدستور المغربي، فإن التشريعات المنصوص عليها في الدستور المطلوبة لتحديد طرائق إدماج هذه اللغة في التعليم والحياة العامة لم تصدر بعد. ونتيجة لذلك، لا يزال العديد من القوانين واللوائح يستبعد حماية اللغة الأمازيغية في كثير من المجالات ذات الأولوية.
وفي كوستاريكا، قدم ممثلو الشعوب الأصلية على مر السنين مقترحات مختلفة لإجراء إصلاحات قانونية من شأنها أن تحمي أقاليم الشعوب الأصلية وتعترف بسلطات الحكم الذاتي الخاصة بهذه الشعوب الأصلية وتحميها، ولم ينجح أي من هذه المقترحات.
إعلان الأمم المتحدة
وعلى الصعيد الإقليمي، أصدرت محكمة العدل الكاريبية حكما واحدا في الفترة ما بين عامي 2007 و2023، وأصدرت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ما مجموعه 15 حكما تطبق جميعها إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.
وفي الفترة ما بين عامي 2007 و2023، صدر 791 حكما قضائيا عن المحاكم الدستورية والمحاكم العليا في أمريكا اللاتينية طبق فيها الإعلان، وحتى نوفمبر 2023، كانت الدول التي صدر فيها أكبر عدد من الأحكام في هذا الصدد هي المكسيك التي أصدرت 165 حكما قضائيا تتناول الحقوق المتعلقة بالأراضي والعدالة والتشاور والتعليم، وكولومبيا التي أصدرت 150 حكما قضائيا بشأن الأراضي والتشاور والحكم الذاتي والعدالة، ودولة بوليفيا المتعددة القوميات التي أصدرت 145 حكما قضائيا بشأن العدالة والحكم الذاتي والتشاور والأراضي.
وبرزت لجان الحقيقة والمصالحة بوصفها آلية رئيسية لمعالجة أخطاء الماضي ومنع الانتهاكات المستقبلية، وتتمثل إحدى الخطوات الأساسية فيها في تحليل الإجراءات اللازمة للاستجابة للتقارير والاستنتاجات والتوصيات النهائية التي قد تسفر عن أمثلة بناءة في مجال التنفيذ.
وأحد الأمثلة الرئيسية للجان التي أنشئت لكي تتناول بصورة محددة حقوق الشعوب الأصلية هي اللجنة الكندية للحقيقة والمصالحة، وهي عملية أنشئت بصورة مشتركة بين الشعوب الأصلية والحكومات.
وفي فنلندا والسويد، جرى إنشاء لجان الحقيقة والمصالحة، وتجري أعمالها حاليا مجراها.
ويحتوي تقرير اللجنة النرويجية الحقيقة والمصالحة، الصادر في يونيو 2023، على مجموعة من التوصيات التي تدور حول خمس ركائز رئيسية يجب أن تقوم عليها عملية المصالحة، وهي: المعرفة والتواصل، واللغة، والثقافة، ومنع النزاعات، وتنفيذ الأنظمة.